بعد ثماني سنوات من التنزيل.. رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يُقر بفشل الجهوية المتقدمة في تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية بالمغرب
بعد ثماني سنوات على تنزيله، أقرّ أحمد رضى الشامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أخيرا بفشل ورشِ الجهوية المتقدمة في تقليصِ التفاوتات المجالية والفوارق الاجتماعية وتعميم المشاريع التنموية في مختلف ربوع المملكة، مرجعا ذلك إلى استحواذ الجهات المركزية الثلاث على أكثر من 52 في المائة من الاستثمارات العمومية في 2023، إلى جانب محدوديةُ مساهمةِ الجهات في الاستثمار العمومي وذلك بنسبة لا تتعدى 4 في المائة.
وأوضح رضى الشامي، في كلمته على هامش الملتقى البرلماني الخامس للجهات الذي احتضنه مجلس المستشارين تحت شعار "الجهة: فاعل رئيسي في النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة"، بأن الإصلاحات التي جَرى إطلاقُها في إطار ورشِ الجهوية المتقدمة تَعْكِسُ إرادةَ الدولةِ في تمكين بلادنا من مَنظومة ترابية قادرةٍ على رفع التحديات الجديدة في مجال التنمية، وعلى الاستجابةِ بفعالية لانتظارات المواطنات والمواطنين.
وبعد ثمانِ سنوات على الشروع في تنزيل هذا الورش الملكي والدستوري، وما تَحقَّقَ مِنْ خِلالِهِ مِنْ تحولاتٍ هامة على مستوى تحديث هياكل الدولة، والدفع باللامركزية واللاتمركز نحوَ مساراتٍ غيرِ مَسْبوقة لاحظ الشامي من خلالِ رصد وتحليل مجلسه، وإفاداتِ مُختلف الفاعلين والخبراء الذين تم الإنصاتُ إليهم، أن نموذج الحكامة الترابية المُعتمَد حاليا، "مَا زال لَم يُمَكِّنْ بَعْدُ من تحقيقِ الطموح المُشترك في جعل المجالات الترابية، وخاصة الجهات، الحاملَ الرئيسي للفِعْل التنموي".
وأشار المسؤول المغربي، إلى أنه لا تزالُ الجهودُ المبذولة تَجِدُ صعوبةً في تحقيق النتائج المنشودة على مستوى تقليصِ التفاوتات المجالية والاجتماعية، أو فيما يتعلقُ بخلقِ نوعٍ من التوازنِ بين الجهات في المساهمةِ في الثروة الوطنية، الأمر الذي يعكسه مؤشران رئيسيان أولهما، أن هناك ثلاثُ جهاتٍ فقط من أصل 12 جهة تساهم في خلق الجزء الأكبر من الثروة الوطنية (حوالي 60 في المائة سنة 2020)، وهي جهات: الدار البيضاء-سطات، والرباط-سلا-القنيطرة، وطنجة-تطوان-الحسيمة، وثانيهما أنه تستحوذ هذه الجهات الثلاث على أكثر من 52 في المائة من الاستثمارات العمومية المعتمدة برسم سنة 2023.
وتَرجع أسبابُ هذا الوضع، بحسب الشامي إلى عدد من أَوْجُهِ القصور والاختلالات التي لا تزالُ تُعيقُ التنميةَ الترابيةَ في بلادنا، وعلى رأسها ضعفُ مردودية الاستثمار العمومي، حَيْثُ يَبْلُغُ المُعامِل الهامِشي للرأسمال (ICOR) 9.4 في المتوسط خلال الفترة ما بين 2000-2019 ، مقابل 5.7 المُسَجَّل على مستوى فئة البلدان التي ينتمي إليها المغرب، إلى جانب محدوديةُ مساهمةِ الجهات في مجموع الاستثمار العمومي التي لا تتعدى 4 في المائة، كما سجل ذلك المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الموضوعاتي الأخير.
ونبّه رئيس المجلس أيضا، إلى ضعفُ مشاركة القطاع الخاص والقطاع الثالث في مسلسل بلورة الرؤية الاستراتيجية للجهة في ميدان الاستثمار، فضلا عن التوطينٌ الترابي غير مكتمل للفعل العمومي، لا سيما بالنظر إلى تداخل الاختصاصات الموكولة للجماعات الترابية بمختلف مستوياتها (الجهة، العمالة/الإقليم، الجماعة) من ناحية، وبسبب محدودية قدراتها التنفيذية من ناحية أخرى، والتعددٌ غير الناجع للمتدخلين في المنظومة الترابية وضعف الالتقائية بين أنشطتهم ومبادراتهم، مما يَحُدُّ بشكلٍ كبير من فعالية الاستثمار العمومي.
وسجل الشامي أيضا، بطئا في التنزيل الفعلي لميثاق اللاتمركز الإداري، وهو الأمر الذي لا يُمَكِّنُ المصالح اللاَّمُمَرْكَزَة من الموارد البشرية والتقنية والمالية اللازمة لاتخاذ القرار التنموي تُرابيا، وكذا النقص الكبير في الموارد البشرية المؤهَّلة على المستوى الترابي، مما يحد من مشاركة الجماعات الترابية بشكل فعلي ومؤثر في دينامية التنمية، وبطء في تنزيل ورش التحول الرقمي للإدارة، مَعَ مَا لذلك من انعكاسٍ سلبي على الخدمات العمومية المقدَّمة للمرتفقين على المستوى المحلي.
وانطلاقا من هذا التشخيص الذي تقاسمه مختلف الفاعلين الذين تم الإنصاتُ إليهم من طرف المجلس في إطار إعداده لآراءه حول هذا الموضوع، أوصى الشامي بإجراء تقييم مرحلي لورش الجهوية المتقدمة بإشراك الفاعلين الرئيسيين والأطراف المعنية، وإطلاقِ نقاشٍ بين هذه الأطراف في ضوء نتائج التقييم، من شأنه أن يُمَكِّنَ الفاعلين من تَمَلُّكِ رؤيةٍ مشتركة مُحَيَّنَة، تَحْظَى بالتَوَافُق (بين عَتَبة وسَقْفِ النظام الجهوي)، حول المراحل والخطوات المُقبلة في تنزيل هذا الورش، سواءٌ على مستوى المقاربةِ أو التنفيذ.
وفي انتظار إجراء هذا المسلسل، اقترح المجلس جملةً من التوصيات يُمْكنُ تفعيلُها على المدى القصير، على رأسها مراجعةُ القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية من أجل المزيدِ من التوضيح لاختصاصاتها والتدقيق لنطاق تدخل كل مستوى من المستويات الترابية (الجهة، العمالة/الإقليم، الجماعة) حسب طبيعة الاختصاصات (الذاتية، المشتركة والمنقولة)، ومزيداً من التوضيح والتدقيق فيما يخص العلاقات بين الفاعلين في المنظومة الترابية (الوالي/العامل؛ رؤساء المستويات الترابية الثلاثة أي الجهة، الإقليم والجماعة؛ المصالح اللاممركزة)، وذلك من أجل تفادي أيِّ تنازعٍ في الصلاحيات، وتعزيزِ التنسيق فيما بينهم، وضمان التقائيةٍ أفضلَ لتدخلاتهم.
ودعا الشامي، إلى العمل، في انتظار تعديل القوانين التنظيمية، على نقل الاختصاصات الذاتية من القطاعات الحكومية المعنية بممارسة هذه الاختصاصات نحو الجهات وربط هذا النقل بالموارد الضرورية، مع برنامج زمني مُحَدَّدٍ بدقة، وقابل للتنفيذ ومُلزِمٍ، لنقل الاختصاصات وسلطة اتخاذ القرار من الإدارات المركزية إلى المصالح اللاممركزة للدولة، وكذا النهوضُ بالتعاون بين الجماعات، وبالتعاون العَمُودي بين مختلف المستويات الترابية (الجهة، العمالة/الإقليم، الجماعة) (intercommunalité)، من خلال إِنْشَاء شركات التنمية المحلية وغيرِها، من أجل تَعْضِيدٍ أفضل للوسائل، والرفع من جودة الخدمات العمومية، والعمُ، في إطار إصلاح القطاع العمومي، على ضمان إعادة انتشارٍ ترابي أَنْجَعْ للمؤسسات والمقاولات العمومية، وتثمينُ الوظيفة العمومية الترابية من أجل استقطاب الكفاءات اللازمة القادرة على تنزيل وتتبع ورش الجهوية المتقدمة؛
وشدّد على ضرورة، تحسينُ جودة الخدمات العمومية المقدمة للمرتفقين، من خلال تسريعِ مسلسل الرقمنة، لا سيما من خلال وضع نظام معلومات ترابي مندمج، يُمَكِّنُ من استعمال آلية التشغيل البَيْنِي (interopérabilité) بين الفاعلين في المنظومة الترابية، لافتا إل أن هناك تجارب محلية ناجحة ينبغي تثمينُها وتعميمُها على غرار إقليم بركان مثلا.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :